ما معنى أن يتم استبدال القربان البشري بالحيوان؟
خالص جلبي - 08/12/1428هـ
[email protected]
نحن هذه الأيام في موسم حج 1428 هـ والكل يضحي ولكن هل يخطر في بالنا المعنى العميق خلف استبدال التضحية بالحيوان بدلا عن الإنسان كما هي في قصة إبراهيم الخليل وولده إسماعيل؟
وفديناه بذبح عظيم..
حتى نستوعب المغزى خلف القصة لا بد من استحضار فكرة القربان من التاريخ ..
فمع فجر الحياة البشرية وطفولة العقل الإنساني وعجز البشر عن إدراك السنن المبثوثة في الآفاق سيطر على الإنسان الخوف من الطبيعة فبدأ يحاول استرضاءها بالتضحية بالإنسان كـ (قربان).. لعل الطبيعة تهدأ وترضى؟
ومع ولادة الحضارة الإنسانية قبل ستة آلاف سنة، أصيبت بلوثة الحرب، التي تطلبت هذه المرة قرابين بشرية بكميات هائلة لا يحصيها العدد ولا يضمها مداد، كي تشبع نهم آلهة الحرب الجديدة.
ثم جاء الأمر الإلهي لإبراهيم عليه السلام بذبح ابنه، حتى إذا امتثل للأمر أنزل الله فداءه، ليكون دلالة على أن أثمن وأعظم كنز يجب المحافظة عليه وصيانته هو (الإنسان)؛ فكل ما في الوجود مسخر للإنسان، بموجب عقد الخلافة في الأرض.
ويحكي لنا التاريخ صورا مروعة من مناظر تقديم القرابين البشرية، وقد قامت قناة الديسكفري بدراسة مقتل عشرين ألف شاب في حضارة الإزتيك في أربعة أيام من أعيادهم على صورة قرابين بشرية.
ويمكن نقل هذه الصورة للقارئ عما كان يجري وكشف عنه ذلك الآركيولوجيون:
مع ساعات الصباح الأولى اجتمع حشد عظيم من الناس حول المعبد في مدينة (تينوشتيتلان) العاصمة، وعلى سفح المعبد تمدد شاب جميل الصورة قوي البنيان، قد أمسك به أربعة من الكهنة وأوثق بالحبال، ثم عبق البخور، وتصاعدت الترانيم الدينية، وتقدم رئيس الكهنة بلباس فاخر وألوان زاهية فاقعة وبقناع مخيف، وبيده خنجر صقيل مرهف النصل؛ فقرأ بعض الأدعية، ثم لم يلبث بعدها أن أدخل نهاية السيف القصير الحاد في صدر ذلك الشاب البئيس، ليصرخ صرخة الموت من الرعب والألم، ولتسرع يد الكاهن إلى داخل جوف الصدر، فتحرر القلب بسرعة، بقطع العروق الدموية المتصلة به، ثم لا يلبث الكاهن أن يخرج القلب وهو يخفق بين أصابعه، أمام جمهور منتش بهذا المنظر يهتف ويزعق كالمجنون! ويضيع صوت الشاب الذي يغرغر في سكرات الموت بين صراخ وهتاف الجمهور واستحسانه، لا يلبث بعدها أن يتدحرج على درج المعبد من الأعلى للأسفل وقد اغتسلت الجنبات بالدم الشرياني الأحمر الزاهي، في الوقت الذي ترتسم فيه على وجوه الكهنة ابتسامات الارتياح بتنفيذ المهمة.
هذه الطقوس كانت منظراً اعتياديا سنوياً لحضارة (الإزتيك) في أمريكا الوسطى، حيث عاصمتهم تينوشتيتلان، التي أصبح اليوم اسمها نيو مكسيكو بعد أن دمر الإسبان حضارتهم، وقضوا على آخر آثارهم، وواروها التراب بطريقة (قربان أخرى)، ألغت القربان الأول بقرابين الحرب الجديدة..
وهكذا التقت حضارة (القربان القديم) بحضارة (القربان الجديد)..
الأولى يقوم بها الكاهن بالتضحية بشاب وسيم قوي، والثانية بتقديم (أمة بكاملها) على المذبح التاريخي الجديد، بل حتى يتم تقديم القربان الجديد، تحت مبرر إلغاء حضارة القربان القديم بالتضحية بالإنسان..
إن هذا الاختلاط بين (قربان الإنسان ) و (قرابين الشعوب) يحتاج لتسليط الضوء عليه من خلال موقف إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام الذي كان ثمرته أنه لا تضحية بالإنسان بعد اليوم (فلما أسلما وتله للجبين وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إن كذلك نجزي المحسنين إن هذا لهو البلاء المبين وفديناه بذبح عظيم) ..