المثل الخامس والعشرون
25- وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ
مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا
تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا
(الآية-45)
التفســير
وصف سبحانه الحياة وزينتها في موضعين من كتابه،
بأنها: { متاع الغرور } (آل عمران:185)؛
وجاء في الحديث الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم:
( إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها،
فينظر كيف تعملون ) رواه مسلم .
وواقع الناس في كل زمان ومكان يدل على مدى تعلقهم
بزينة الحياة الدنيا وزخرفها، والعمل لأجلها صباح مساء،
وكأنهم خالدون فيها مخلدون؛ إما طلبًا للجاه، أو طلبًا للمال،
أو طلبًا للشهرة، أو طلبًا لغير ذلك من الشهوات والملذات؛
الأمر الذي يجعلهم مشدودين إلى مكاسبها، مشدوهين بمغرياتها،
لاهثين خلف سرابها .
وقد ضرب سبحانه في محكم كتابه مثلاً لهذه الحياة،
فقال جل من قائل:
وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ
مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا
تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا
(الكهف: الآية-45)
يقول ابن كثير فى تفسير الآية:
يقول تعالى : ( واضرب ) يا محمد للناس ( مثل الحياة الدنيا ) في
زوالها وفنائها وانقضائها ( كماء أنزلناه من السماء فاختلط به
نبات الأرض ) أي : ما فيها من الحب ، فشب وحسن ، وعلاه
الزهر والنور والنضرة ثم بعد هذا كله ( فأصبح هشيما ) يابسا
( تذروه الرياح ) أي : تفرقه وتطرحه ذات اليمين وذات الشمال
( وكان الله على كل شيء مقتدرا ) أي : هو قادر على هذه الحال .
وكثيرا ما يضرب الله مثل الحياة الدنيا بهذا المثل
كما في سورة " يونس " :
( إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط
به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت
الأرض زخرفها وازينت )... الآية
[ يونس : 24 ] ،
وقال في سورة " الزمر " :
( ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في
الأرض ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه ثم يهيج فتراه
مصفرا ثم يجعله حطاما إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب )
[ الزمر : 21 ] ،
وقال في سورة " الحديد " :
( اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر
بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب
الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي
الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان
وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور )
[ الحديد : 20 ] .
وفي الحديث الصحيح : " الدنيا حلوة خضرة "
ويقول السعدى:
يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم :
اضرب للناس مثل الحياة الدنيا ليتصوروها حق التصور،
ويعرفوا ظاهرها وباطنها، فيقيسوا بينها وبين الدار الباقية،
ويؤثروا أيهما أولى بالإيثار.
وأن مثل هذه الحياة الدنيا، كمثل المطر، ينزل على الأرض،
فيختلط نباتها، تنبت من كل زوج بهيج، فبينا زهرتها وزخرفها
تسر الناظرين، وتفرح المتفرجين، وتأخذ بعيون الغافلين،
إذ أصبحت هشيما تذروه الرياح، فذهب ذلك النبات الناضر،
والزهر الزاهر، والمنظر البهي، فأصبحت الأرض غبراء ترابا،
قد انحرف عنها النظر، وصدف عنها البصر، وأوحشت القلب،
كذلك هذه الدنيا، بينما صاحبها قد أعجب بشبابه، وفاق فيها على
أقرانه وأترابه، وحصل درهمها ودينارها، واقتطف من لذته
أزهارها، وخاض في الشهوات في جميع أوقاته، وظن أنه لا يزال
فيها سائر أيامه، إذ أصابه الموت أو التلف لماله، فذهب عنه سروره،
وزالت لذته وحبوره، واستوحش قلبه من الآلام وفارق شبابه وقوته
وماله، وانفرد بصالح، أو سيئ أعماله،
هنالك يعض الظالم على يديه، حين يعلم حقيقة ما هو عليه،
ويتمنى العود إلى الدنيا، لا ليستكمل الشهوات، بل ليستدرك
ما فرط منه من الغفلات، بالتوبة والأعمال الصالحات،
فالعاقل الجازم الموفق، يعرض على نفسه هذه الحالة،
ويقول لنفسه: قدري أنك قد مت، ولا بد أن تموتي،
فأي: الحالتين تختارين؟
الاغترار بزخرف هذه الدار، والتمتع بها كتمتع الأنعام السارحة،
أم العمل، لدار أكلها دائم وظلها، وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ
الأعين؟ فبهذا يعرف توفيق العبد من خذلانه، وربحه من خسرانه.
ويقول الشيخ الشعراوى
وهكذا الدنيا تبدو جميلة مُزهِرة مُثمِرة حُلْوة نَضِرة،
وفجأة لا تجد في يديك منها شيئاً؛
لذلك سماها القرآن دُنْيا وهو اسم يُوحي بالحقارة،
وإلا فأيّ وصف أقل من هذا يمكن أن يصفها به؟
لنعرف أن ما يقابلها حياة عُلْيا.
وكأن الحق سبحانه يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم:
كما ضربتُ لهم مَثَل الرجلين وما آل إليه أمرهما ،
اضرب لهم مثل الحياة الدنيا وأنها تتقلّب بأهلها، وتتبدل بهم،
واضرب لهم مثلاً للدنيا من واقع الدنيا نفسها.
ومعنى {فاختلط بِهِ نَبَاتُ الأرض} [الكهف: 45]
أي: اختلط بسببه نبات الأرض، وتداخلَ بعضُه في بعض،
وتشابكتْ أغصانه وفروعه، وهذه صورة النبات في الأرض
الخِصْبة، أما إنْ كانت الأرض مالحة غير خِصْبة فإنها
تُخرِج النبات مفرداً، عود هنا وعود هناك.
لكن، هل ظل النبات على حال خُضْرته ونضارته؟
لا، بل سرعان ما جفَّ وتكسر وصار هشيماً تطيح
به الريح وتذروه،
هذا مثلٌ للدنيا حين تأخذ زخرفها وتتزيَّن،
كما قال تعالى:
{حتى إِذَآ أَخَذَتِ الأرض زُخْرُفَهَا وازينت وَظَنَّ أَهْلُهَآ أَنَّهُمْ
قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَآ أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً..} [يونس: 24].
ثم يقول تعالى:
{وَكَانَ الله على كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِراً} [الكهف: 45]
لأنه سبحانه القادر دائماً على إخراج الشيء إلى ضِدّه،
كما قال سبحانه:
{وَإِنَّا على ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ} [المؤمنون: 18].
فقد اقتدر سبحانه على الإيجاد، واقتدر على الإعدام،
فلا تنفكّ عنه صفة القدرة أبداً،
أحيا وأمات، وأعزَّ وأذلَّ،
وقبض وبسط، وضَرَّ ونفع.
25- وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ
مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا
تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا
(الآية-45)
التفســير
وصف سبحانه الحياة وزينتها في موضعين من كتابه،
بأنها: { متاع الغرور } (آل عمران:185)؛
وجاء في الحديث الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم:
( إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها،
فينظر كيف تعملون ) رواه مسلم .
وواقع الناس في كل زمان ومكان يدل على مدى تعلقهم
بزينة الحياة الدنيا وزخرفها، والعمل لأجلها صباح مساء،
وكأنهم خالدون فيها مخلدون؛ إما طلبًا للجاه، أو طلبًا للمال،
أو طلبًا للشهرة، أو طلبًا لغير ذلك من الشهوات والملذات؛
الأمر الذي يجعلهم مشدودين إلى مكاسبها، مشدوهين بمغرياتها،
لاهثين خلف سرابها .
وقد ضرب سبحانه في محكم كتابه مثلاً لهذه الحياة،
فقال جل من قائل:
وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ
مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا
تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا
(الكهف: الآية-45)
يقول ابن كثير فى تفسير الآية:
يقول تعالى : ( واضرب ) يا محمد للناس ( مثل الحياة الدنيا ) في
زوالها وفنائها وانقضائها ( كماء أنزلناه من السماء فاختلط به
نبات الأرض ) أي : ما فيها من الحب ، فشب وحسن ، وعلاه
الزهر والنور والنضرة ثم بعد هذا كله ( فأصبح هشيما ) يابسا
( تذروه الرياح ) أي : تفرقه وتطرحه ذات اليمين وذات الشمال
( وكان الله على كل شيء مقتدرا ) أي : هو قادر على هذه الحال .
وكثيرا ما يضرب الله مثل الحياة الدنيا بهذا المثل
كما في سورة " يونس " :
( إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط
به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت
الأرض زخرفها وازينت )... الآية
[ يونس : 24 ] ،
وقال في سورة " الزمر " :
( ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في
الأرض ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه ثم يهيج فتراه
مصفرا ثم يجعله حطاما إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب )
[ الزمر : 21 ] ،
وقال في سورة " الحديد " :
( اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر
بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب
الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي
الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان
وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور )
[ الحديد : 20 ] .
وفي الحديث الصحيح : " الدنيا حلوة خضرة "
ويقول السعدى:
يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم :
اضرب للناس مثل الحياة الدنيا ليتصوروها حق التصور،
ويعرفوا ظاهرها وباطنها، فيقيسوا بينها وبين الدار الباقية،
ويؤثروا أيهما أولى بالإيثار.
وأن مثل هذه الحياة الدنيا، كمثل المطر، ينزل على الأرض،
فيختلط نباتها، تنبت من كل زوج بهيج، فبينا زهرتها وزخرفها
تسر الناظرين، وتفرح المتفرجين، وتأخذ بعيون الغافلين،
إذ أصبحت هشيما تذروه الرياح، فذهب ذلك النبات الناضر،
والزهر الزاهر، والمنظر البهي، فأصبحت الأرض غبراء ترابا،
قد انحرف عنها النظر، وصدف عنها البصر، وأوحشت القلب،
كذلك هذه الدنيا، بينما صاحبها قد أعجب بشبابه، وفاق فيها على
أقرانه وأترابه، وحصل درهمها ودينارها، واقتطف من لذته
أزهارها، وخاض في الشهوات في جميع أوقاته، وظن أنه لا يزال
فيها سائر أيامه، إذ أصابه الموت أو التلف لماله، فذهب عنه سروره،
وزالت لذته وحبوره، واستوحش قلبه من الآلام وفارق شبابه وقوته
وماله، وانفرد بصالح، أو سيئ أعماله،
هنالك يعض الظالم على يديه، حين يعلم حقيقة ما هو عليه،
ويتمنى العود إلى الدنيا، لا ليستكمل الشهوات، بل ليستدرك
ما فرط منه من الغفلات، بالتوبة والأعمال الصالحات،
فالعاقل الجازم الموفق، يعرض على نفسه هذه الحالة،
ويقول لنفسه: قدري أنك قد مت، ولا بد أن تموتي،
فأي: الحالتين تختارين؟
الاغترار بزخرف هذه الدار، والتمتع بها كتمتع الأنعام السارحة،
أم العمل، لدار أكلها دائم وظلها، وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ
الأعين؟ فبهذا يعرف توفيق العبد من خذلانه، وربحه من خسرانه.
ويقول الشيخ الشعراوى
وهكذا الدنيا تبدو جميلة مُزهِرة مُثمِرة حُلْوة نَضِرة،
وفجأة لا تجد في يديك منها شيئاً؛
لذلك سماها القرآن دُنْيا وهو اسم يُوحي بالحقارة،
وإلا فأيّ وصف أقل من هذا يمكن أن يصفها به؟
لنعرف أن ما يقابلها حياة عُلْيا.
وكأن الحق سبحانه يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم:
كما ضربتُ لهم مَثَل الرجلين وما آل إليه أمرهما ،
اضرب لهم مثل الحياة الدنيا وأنها تتقلّب بأهلها، وتتبدل بهم،
واضرب لهم مثلاً للدنيا من واقع الدنيا نفسها.
ومعنى {فاختلط بِهِ نَبَاتُ الأرض} [الكهف: 45]
أي: اختلط بسببه نبات الأرض، وتداخلَ بعضُه في بعض،
وتشابكتْ أغصانه وفروعه، وهذه صورة النبات في الأرض
الخِصْبة، أما إنْ كانت الأرض مالحة غير خِصْبة فإنها
تُخرِج النبات مفرداً، عود هنا وعود هناك.
لكن، هل ظل النبات على حال خُضْرته ونضارته؟
لا، بل سرعان ما جفَّ وتكسر وصار هشيماً تطيح
به الريح وتذروه،
هذا مثلٌ للدنيا حين تأخذ زخرفها وتتزيَّن،
كما قال تعالى:
{حتى إِذَآ أَخَذَتِ الأرض زُخْرُفَهَا وازينت وَظَنَّ أَهْلُهَآ أَنَّهُمْ
قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَآ أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً..} [يونس: 24].
ثم يقول تعالى:
{وَكَانَ الله على كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِراً} [الكهف: 45]
لأنه سبحانه القادر دائماً على إخراج الشيء إلى ضِدّه،
كما قال سبحانه:
{وَإِنَّا على ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ} [المؤمنون: 18].
فقد اقتدر سبحانه على الإيجاد، واقتدر على الإعدام،
فلا تنفكّ عنه صفة القدرة أبداً،
أحيا وأمات، وأعزَّ وأذلَّ،
وقبض وبسط، وضَرَّ ونفع.