مازن بن عبد الكريم الفريح
يقول الله تعالى مادحاً لرسله و أنبيائه : " أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده " ، فهم القدوة و المثل الحسن لنا ، ومن الخصال التي نقتدي بهم طرق كسب الناس ، ومن هذه الطرق :
1- خدمة الناس و قضاء حوائجهم : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " خيركم خيركم لأهله و أنا خيركم لأهلي " . فمن أقرب الناس للإنسان أهله و أقاربه ، ومن أقرب الطرق لكسب قلوبهم : التحبب إليهم و تقديم المعونة و الإحسان . وقد قيل : احسن إلى الناس تستعبد قلوبهم ، وهكذا حال النفس البشرية تميل إلى من يتودد لها و يحسن لها ، وبهذه الطريقة يكسب المؤمن قلوب من هم حوله في عمله أو جيرانه ، ويكون طريقاّ لنصحهم ، فربّ كلمة تخرج من قلب محب خير من كتب لا تجدي نفعاّ .
2- الحلم وكظم الغيظ : فما اجمل موقفه صلى الله عليه و سلم من انس رضي الله عنه حيث قال : كنت أمشي مع رسول الله وعليه برد نجراني ، غليظ الحاشية ، فأدركه أعرابي ، فجذبه جذبةً شديدة ، حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جذبته ، ثم قال : يا محمد ، مر لي من مال الله الذي عندك ، فالتفت إليه رسول الله و ضحك و أمر له بعطاء . فبحسن الخلق و المعاملة الحسنة يدرك الإنسان كل ما يريد .
3- السماحة في المعاملة : ما أجمل الكلمات التي وصف بها رسول الهدى المعاملة التي تكسب محبة الناس " رحم الله رجلاً سمحاَ إذا باع و إذا اشترى و إذا اقتضى " ، فالسماحة في البيع تكون بعدم الفظاظة و في الشراء حين يكون المشتري كريم النفس ، وبالأخص إذا كان غنياً والبائع فقيراً ، وفي الاقتضاء والقضاء أي طلب الحق أو أداء الحق .
4- المداراة : تختلف اختلافاً كلياً عن المداهنة والمراوغة ، فهي لين الكلام و حسن المعاشرة لأناس فساق وذلك لمصلحة شرعية ، فعن عائشة : " إن رجلاً استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما رآه قال : بئس أخو العشيرة ، فلما جلس تطلَّق النبي في وجهه وانبسط إليه ، فلما انطلق الرجل قالت له عائشة : يا رسول الله حين رأيت الرجل قلت كذا وكذا ثم تطلقت في وجهه وانبسطت إليه ، فقال رسول الله : يا عائشة : متى عهدتني فاحشاً ؟ إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء فحشه " .
5- إدخال السرور على الآخرين : قال عليه السلام : " لا تحقرن من المعروف شيئاً ، ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق " . فرب كلمة تسبقها ابتسامة تقع في النفس ما شاء الله لها أن تقع ، وتكون رسولاً لأصعب المهام ، فقد كان عليه السلام ملاطفاً للصغار ، ومتقرباً من كبار السن منهم .
6- احترام المسلمين و تقديرهم و التأدب معهم و تبجيلهم : فقد قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم : " ليس منا من لم يجل كبيرنا و يرحم صغيرنا و يعرف لعالمنا حقه " ، كلمات موجزة فيها كل التعبير عن حال المسلم مع أخيه المسلم ، ومنها الاحترام لمن يخالفه في الرأي و احترام المتحدث و عدم مقاطعته ، وكل ذلك من هدي رسولنا .
7- حسن الكلام : قال عليه السلام " الكلمة الطيبة صدقة " ، فالنصيحة غالباً تكون مخالفة للهوى ، بعيدة عن أماني النفس ، لذلك من المهم أن يكون الإطار الذي تقدم به جميلاً محبباً للنفوس ، فكم من كلمة طيبة أدت مهمتها أفضل من ألف كلمة جافة فظة .
8- التواضع و لين الجانب : دخل رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصابته من هيبته رعدة فقال له : " هون عليك فإني لست بملك ، إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد " ، فبتواضعه عليه السلام كسب قلوب و محبة كل من سمع به أو رآه ، وهكذا يجب إن يكون حال المسلم .
9- الجود و الكرم :قال عليه أفضل الصلاة و السلام : " تهادوا تحابوا " ، فالسخاء والجود والكرم يطيب النفوس ، ويفرح القلوب ، ويفتح الأقفال المغلقة ، ومنها يكون الدخول إلى عالم النفس البشرية لأداء الرسالة .
10- الرفق : ومن هديه عليه الصلاة و السلام قوله : " إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله " . فقد كان عليه الصلاة و السلام رفيقاً حتى مع أهل الفسق أو أهل المعاصي فقد قال عليه السلام : " إن الله رفيق يحب الرفق و يعطي على الرفق مالا يعطي على العنف ومالا يعطى على سواه " ، وكل ذلك في سبيل كسب القلوب من اجل نشر كلمة الحق و هكذا تكون وسائل كسب القلوب هي في مجملها من محاسن الأخلاق لقوله عليه الصلاة و السلام : " اكمل المؤمن إيماناً أحسنهم أخلاقاً " .
وفي مقابل ذلك يجب معرفة الأمور التي بها تنفر القلوب وتقسو ، ويحل الجفاء مكان الصفاء ، وذلك لتجنبها وعدم الوقوع بها ، وهي :
1- عدم مراعاة الناس وأحوالهم : " قال عليه الصلاة و السلام : " إذا صلى أحدكم للناس فليخفف ، فإن منهم الضعيف والسقيم والكبير ، وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما يشاء " ، فربما كانت هذه الصفة سبيلاً لترك الناس العمل الصالح و ابتعادهم عنه نتيجة لسوء التصرف .
2- التعلق بمتاع الدنيا و زخرفها : يعلمنا رسولنا الكريم بكلمات فيقول : " ازهد في الدنيا يحبك الله ، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس " ، فيجب على الإنسان عدم الطمع بما في ايدي الناس حتى تدوم محبته في قلوبهم .
3- الغلظة والفظاظة : قال تعالى مادحاً رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم : " فبما رحمة من الله لنت لهم ، ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك" فكم من داعية لم ينتبه لهذه النقطة و كانت النتيجة ابتعاد الناس عنهم و عدم تقبلهم لكلامهم ، و بالتالي عدم إيصال الرسالة إلى الناس .
4- مخالفة القول العمل : قال الله تعالى يذم هذه الصفة : "يا أيها الذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون ، كبر مقتاً عند الله أن تقولوا مالا تفعلون " ، فمن وجه التمام أن يكون المسلم ملتزماً بما يأمر به ، ومبتعداً عما ينهي عنه ، و لكن في حال عدم تمكنه من فعل ما يأمر به أو عدم تمكنه من ترك ما ينهي عنه ، فيجب عليه حتى في هذه الحالة الاستمرار في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنهي عن المعاصي ، ولكن في هذه الحالة قد لا يكون مؤثراً في النفوس كما يجب .
5- التعسير و التعقيد : قال صلى الله عليه وسلم : " يسروا و لا تعسروا و بشروا ولا تنفروا " ، فيجب أن يكون إيصال الأمر بالمعروف باليسر واللطف ، والنهي عن المعصية أو المنكر أيضا بعيدا عن الغلظة والتعقيد ، اقتداءً بسيد البشرية ، وذلك لأن التدرج بإعطاء العلم و الواجبات تكون اسهل للنفس في تقبلها .
وأخيراً فإن كسب القلوب من اعظم نعم الله على عباده ، فمن وهبه الله هذه النعمة فقد أصبح إيصال الرسالة للناس عليه أمرا سهلاً هيناً ، ويكون له من اجر من يعمل عملاً صالحا من غير أن ينقص من أجره شيئاً ، ويكون ذلك سبيلا للفوز برضاء الله و جنات النعيم .
** جزا الله خيراً كل من قام بنشر هذه المقالة
يقول الله تعالى مادحاً لرسله و أنبيائه : " أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده " ، فهم القدوة و المثل الحسن لنا ، ومن الخصال التي نقتدي بهم طرق كسب الناس ، ومن هذه الطرق :
1- خدمة الناس و قضاء حوائجهم : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " خيركم خيركم لأهله و أنا خيركم لأهلي " . فمن أقرب الناس للإنسان أهله و أقاربه ، ومن أقرب الطرق لكسب قلوبهم : التحبب إليهم و تقديم المعونة و الإحسان . وقد قيل : احسن إلى الناس تستعبد قلوبهم ، وهكذا حال النفس البشرية تميل إلى من يتودد لها و يحسن لها ، وبهذه الطريقة يكسب المؤمن قلوب من هم حوله في عمله أو جيرانه ، ويكون طريقاّ لنصحهم ، فربّ كلمة تخرج من قلب محب خير من كتب لا تجدي نفعاّ .
2- الحلم وكظم الغيظ : فما اجمل موقفه صلى الله عليه و سلم من انس رضي الله عنه حيث قال : كنت أمشي مع رسول الله وعليه برد نجراني ، غليظ الحاشية ، فأدركه أعرابي ، فجذبه جذبةً شديدة ، حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جذبته ، ثم قال : يا محمد ، مر لي من مال الله الذي عندك ، فالتفت إليه رسول الله و ضحك و أمر له بعطاء . فبحسن الخلق و المعاملة الحسنة يدرك الإنسان كل ما يريد .
3- السماحة في المعاملة : ما أجمل الكلمات التي وصف بها رسول الهدى المعاملة التي تكسب محبة الناس " رحم الله رجلاً سمحاَ إذا باع و إذا اشترى و إذا اقتضى " ، فالسماحة في البيع تكون بعدم الفظاظة و في الشراء حين يكون المشتري كريم النفس ، وبالأخص إذا كان غنياً والبائع فقيراً ، وفي الاقتضاء والقضاء أي طلب الحق أو أداء الحق .
4- المداراة : تختلف اختلافاً كلياً عن المداهنة والمراوغة ، فهي لين الكلام و حسن المعاشرة لأناس فساق وذلك لمصلحة شرعية ، فعن عائشة : " إن رجلاً استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما رآه قال : بئس أخو العشيرة ، فلما جلس تطلَّق النبي في وجهه وانبسط إليه ، فلما انطلق الرجل قالت له عائشة : يا رسول الله حين رأيت الرجل قلت كذا وكذا ثم تطلقت في وجهه وانبسطت إليه ، فقال رسول الله : يا عائشة : متى عهدتني فاحشاً ؟ إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء فحشه " .
5- إدخال السرور على الآخرين : قال عليه السلام : " لا تحقرن من المعروف شيئاً ، ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق " . فرب كلمة تسبقها ابتسامة تقع في النفس ما شاء الله لها أن تقع ، وتكون رسولاً لأصعب المهام ، فقد كان عليه السلام ملاطفاً للصغار ، ومتقرباً من كبار السن منهم .
6- احترام المسلمين و تقديرهم و التأدب معهم و تبجيلهم : فقد قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم : " ليس منا من لم يجل كبيرنا و يرحم صغيرنا و يعرف لعالمنا حقه " ، كلمات موجزة فيها كل التعبير عن حال المسلم مع أخيه المسلم ، ومنها الاحترام لمن يخالفه في الرأي و احترام المتحدث و عدم مقاطعته ، وكل ذلك من هدي رسولنا .
7- حسن الكلام : قال عليه السلام " الكلمة الطيبة صدقة " ، فالنصيحة غالباً تكون مخالفة للهوى ، بعيدة عن أماني النفس ، لذلك من المهم أن يكون الإطار الذي تقدم به جميلاً محبباً للنفوس ، فكم من كلمة طيبة أدت مهمتها أفضل من ألف كلمة جافة فظة .
8- التواضع و لين الجانب : دخل رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصابته من هيبته رعدة فقال له : " هون عليك فإني لست بملك ، إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد " ، فبتواضعه عليه السلام كسب قلوب و محبة كل من سمع به أو رآه ، وهكذا يجب إن يكون حال المسلم .
9- الجود و الكرم :قال عليه أفضل الصلاة و السلام : " تهادوا تحابوا " ، فالسخاء والجود والكرم يطيب النفوس ، ويفرح القلوب ، ويفتح الأقفال المغلقة ، ومنها يكون الدخول إلى عالم النفس البشرية لأداء الرسالة .
10- الرفق : ومن هديه عليه الصلاة و السلام قوله : " إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله " . فقد كان عليه الصلاة و السلام رفيقاً حتى مع أهل الفسق أو أهل المعاصي فقد قال عليه السلام : " إن الله رفيق يحب الرفق و يعطي على الرفق مالا يعطي على العنف ومالا يعطى على سواه " ، وكل ذلك في سبيل كسب القلوب من اجل نشر كلمة الحق و هكذا تكون وسائل كسب القلوب هي في مجملها من محاسن الأخلاق لقوله عليه الصلاة و السلام : " اكمل المؤمن إيماناً أحسنهم أخلاقاً " .
وفي مقابل ذلك يجب معرفة الأمور التي بها تنفر القلوب وتقسو ، ويحل الجفاء مكان الصفاء ، وذلك لتجنبها وعدم الوقوع بها ، وهي :
1- عدم مراعاة الناس وأحوالهم : " قال عليه الصلاة و السلام : " إذا صلى أحدكم للناس فليخفف ، فإن منهم الضعيف والسقيم والكبير ، وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما يشاء " ، فربما كانت هذه الصفة سبيلاً لترك الناس العمل الصالح و ابتعادهم عنه نتيجة لسوء التصرف .
2- التعلق بمتاع الدنيا و زخرفها : يعلمنا رسولنا الكريم بكلمات فيقول : " ازهد في الدنيا يحبك الله ، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس " ، فيجب على الإنسان عدم الطمع بما في ايدي الناس حتى تدوم محبته في قلوبهم .
3- الغلظة والفظاظة : قال تعالى مادحاً رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم : " فبما رحمة من الله لنت لهم ، ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك" فكم من داعية لم ينتبه لهذه النقطة و كانت النتيجة ابتعاد الناس عنهم و عدم تقبلهم لكلامهم ، و بالتالي عدم إيصال الرسالة إلى الناس .
4- مخالفة القول العمل : قال الله تعالى يذم هذه الصفة : "يا أيها الذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون ، كبر مقتاً عند الله أن تقولوا مالا تفعلون " ، فمن وجه التمام أن يكون المسلم ملتزماً بما يأمر به ، ومبتعداً عما ينهي عنه ، و لكن في حال عدم تمكنه من فعل ما يأمر به أو عدم تمكنه من ترك ما ينهي عنه ، فيجب عليه حتى في هذه الحالة الاستمرار في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنهي عن المعاصي ، ولكن في هذه الحالة قد لا يكون مؤثراً في النفوس كما يجب .
5- التعسير و التعقيد : قال صلى الله عليه وسلم : " يسروا و لا تعسروا و بشروا ولا تنفروا " ، فيجب أن يكون إيصال الأمر بالمعروف باليسر واللطف ، والنهي عن المعصية أو المنكر أيضا بعيدا عن الغلظة والتعقيد ، اقتداءً بسيد البشرية ، وذلك لأن التدرج بإعطاء العلم و الواجبات تكون اسهل للنفس في تقبلها .
وأخيراً فإن كسب القلوب من اعظم نعم الله على عباده ، فمن وهبه الله هذه النعمة فقد أصبح إيصال الرسالة للناس عليه أمرا سهلاً هيناً ، ويكون له من اجر من يعمل عملاً صالحا من غير أن ينقص من أجره شيئاً ، ويكون ذلك سبيلا للفوز برضاء الله و جنات النعيم .
** جزا الله خيراً كل من قام بنشر هذه المقالة
التعديل الأخير بواسطة المشرف: