بين صلى الله عليه وسلم أن حد الغيبة
أن تذكر الرجل بما فيه من خلفه،
وقال صلى الله عليه وسلم:
(الغيبة: ذكرك أخاك بما يكره).
وبعض الناس يلبس الشيطان عليهم؛
لأن الشيطان واقف لهم بالمرصاد،
وكل باب من أبواب الخير يريد أن يغلقه عليهم،
وكل باب من أبواب الشر يريد أن يفتحه ويوسعه لهم بالتبريرات والتسويغات والمعاذير،
فمثلاً تسمع واحداً يتكلم على واحد فتقول له:
اتق الله!
فهذه غيبة،
فيقول لك:
أنا مستعد أن أقول هذا الكلام أمامه!
فيقال لهذا المسكين:
حتى لو كنت مستعداً أن تقوله أمامه فهذه هي الغيبة التي حرمها الله،
وإنما الفارق أنك إذا قلته أمامه وقعت في خطأ آخروهو أذية أخيك المسلم ومواجهته بما يكره، وإذا كان أمام ناس فتكون قدفضحته وأسأت إليه أكثر ولم تستر عليه،
وإذا كان في غيبته فهذه هي الغيبة،
فإنه لم يستثن الرسول عليه الصلاة والسلام شئياً،
ولم يقل مثلاً:
الغيبة أن تذكر الرجل بما فيه من خلفه إلا إذا كنت تقوى على أن تواجهه بذلك،
فحتى لو كنت تزعم أن هذه من الشجاعة وأنك تستطيع أن تواجهه بذلك فهي غيبة،
وليس لها اسم آخر غير الغيبة، وهي الذنب المحرم الذي أجمع العلماء على تحريمه،
فحد الغيبة:
أن تذكر الرجل بما فيه من خلفه.
والفرق بين الغيبة والبهتان هو كما بين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لما قال له الصحابي:
(أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته)،
أي هذا هو البهتان.
(أنهم ذكروا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً فقالوا: لا يأكل حتى يُطعم، ولا يرحل حتى يرحل له)
قوله: (لا يأكل)
يعني:
ليس هو الذي يعد طعامه، فإنه لا يأكل حتى يُعد له الطعام،
وقوله: (ولا يرحل حتى يرحل له)
يعني:
وإذا أراد أن يركب الدابة فإن غيره يضع الرحل الذي يوضع على الدابة، ويقوم بخدمته،
فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
(اغتبتموه)،
فالمفروض أنك أيها الإنسان! تكون منتبهاً في أي مجلس تجلسه،
وإذا كان سيقع من أحد غيبة فعليك أن تنصحه وتبين له أنها غيبة،
وقد يقع بينك وبينه نوع من الوحشة في أول جلسة،
لكنه سوف يعرف أنك لست ممن يحب المشاركة في أكل لحوم الناس،
فعلى الأقل سيكفيك شره إن لم يتب إلى الأبد؛
لأنه إذا وجد في كل مجلس فيه غيبة من يزجره وينبهه إلى خطورة هذه المعصية
فسيراجع نفسه بلا شك، أو يكف عن أعراض الناس،
لكن الذي يحصل أنها توافق أهواء الجالسين،
، قالوا:
لا يأكل حتى يُطعم، ولا يرحل حتى يرحل له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اغتبتموه، فقالوا: يا رسول الله!
حدثنا بما فيه؟
فقال:
حسبك إذا ذكرت أخاك بما فيه
أي:
حسبك من الشر أن تغتابه بأن تذكر ما فيه،
فهل تريد كذلك أن تبهته، وتفتري عليه الكذب أيضاً؟
بل يكفيك حظاً من الإثم أن تذكر أخاك بما فيه، وأن تغتابه.
وعنعائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم:
(حسبك منصفية كذا وكذا)، قال بعض الرواة: تعني: أنها قصيرة، مع أنعائشة ضرتها، وقد يقع من التحاسد والتنافس بين الضرائر ما يغتفر،
لكن مع ذلك ما سكت؛
رعاية لحرمة المسلمة، فقال عليه الصلاة والسلام:
(لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته!)
أي:
لو أن هذه الكلمة تجسدت وخلطت بماء البحر لعكرت ماء البحر وأفسدته، إنها كلمة واحدة، لكنها غيبة. ......
أما صور الغيبة فالغيبة لها صور شتى:
فقد تكون بالقول،
وقد تكون بغير القول،
يعني: أنه لا يشترط في الغيبة أن تكون باللسان،
بل ممكن أن تكون الغيبة بحركة العين،
أو بإخراج اللسان،
أو بالتمثيل
كأن يحاكي مشيته أو شيئاً من هذا،
فالغيبة كما تكون بالقول تكون بغيره.
قال الإمامالغزالي رحمه الله تعالى:
ذكر عيب أخيك باللسان إنما حرم لأن فيه تفهيم الغير نقصان أخيك، وتعريفه بما يكره،
فالتعريض به كالتصريح،
والفعل فيه كالقول والإشارة والإيماء والغمز والهمز والكتابة والحركة،
وكل ما يفهم المقصود فهو داخل في الغيبة،
وهو حرام.
وقالالنووي : وكذا سائر ما يتوصل به إلى فهم المقصود،
كأن يمشي مشيته، فهو غيبة، بل هو أعظم من الغيبة،
كذلك بعض الناس يتكلم في مجلس ويكون الحاضرون في المجلس يعرفون أن الذي يتكلم عليه هو فلان ابن فلان بعينه،
كأن يقول: قال بعض من رأينا، أو فعل بعض من نعرفه من أصحابنا، أو قال بعض الجيران،
فإذا كان الجالسون يعرفون من الذي يقصده فهذه أيضاً غيبة؛
لأنهم يعرفون، وبالتالي فإن المتكلم ذكر أخاه بما يكره من خلفه؛
لأن المخاطب يفهمه بعينه؛