وللعقولِ سجياتٌ وغرائزُ, بها تقبلُ الأدبَ, وبالأدبِ تنمىَ العقولُ وتزكوُ.
فكماَ أن الحبةَ المدفونةَ في الأرضِ لا تقدرُ أن تخلعَ يبسهاَ وتظهر قوتها وتطلع فوق الأرضِ بزهرتها وريعها ونضرتها ونمائها إلا بمعونة الماء الذي يغور إليها في مستودعِها فيُذهِبَ عنها أذى الَيَبسِ والموتِ ويحُدثَ لها بإذن الله القوةَ والحياةَ, فكذلكَ سليقةُ العقلِ مكنونةٌ في مغرِزها من القلب: لا قوة لها ولا حياة بها ولا منفعة عندها حتى يَعتَمِلَها الأدبُ الذي هو ثمارُها وحياتُها ولقاحُها .
وجُل الأدب بالمنطقِ وجُل المنطقِ بالتعلم. ليس منهُ حرفٌ من حروف معجمه, ولا اسم من أنواع أسمائه إلا وهو مروي, متعلم, مأخوذ عن إمام سابق, من كلام أو كتاب.
وذلك دليلٌ على أن الناس لم يبتدعوا أصولها ولم يأتهم عِلمُها إلا من قبل العليم الحكيم.
فإذا خرج الناسُ من أن يكونَ لهم عملٌ أصيلٌ وأن يقولوا قولاً بديعاً فليعلمِ الواصفونَ المخبِئون أن أحدَهُم, إن أحسنَ وأبلغَ, ليس زائداً على أن يكون كصاحبِ فُصُوصٍ وجد ياقوتاً وزبرْحداً ومرجاناً, فنضمهُ قلائدَ وسُمُوطاً وأكاليلَ, ووضعَ كُل فص موضعهُ, وجمع إلى كل لونٍ سبههُ وما يزيدُه بذلكَ حسناً, فسمي بذلك صَنعاً رفيقاً, وكصاغة الذهبِ والفضة, صنعوا منها ما يعجب الناس من الحلي والآنية, وكالنحل وجدت ثمراتٍ أخرجها الله طيبةً, وسلكت سبلاً جعلها الله ذُلُلاً, فصار ذلكَ شِفاءً وطعاماً, وشراباً منسوباً إليها, مذكوراً بهِ أمرُها وصنعتُها.
فمن جرى على لسانه كلامٌ يستحسنهُ أو يستحسن منهُ, فلا يعجبن إعجاب المخترعِ المبتدعِ, فإنهُ إنما اجتناهُ كما وصفنا.
أحبائي: كانت هذه رائعة من روائع ابن المقفع ..في كتابه الأدب الصغير.. أعجبتني ..فنشرتها لتعم الفائدة..
تحياتي .. ضياء
فكماَ أن الحبةَ المدفونةَ في الأرضِ لا تقدرُ أن تخلعَ يبسهاَ وتظهر قوتها وتطلع فوق الأرضِ بزهرتها وريعها ونضرتها ونمائها إلا بمعونة الماء الذي يغور إليها في مستودعِها فيُذهِبَ عنها أذى الَيَبسِ والموتِ ويحُدثَ لها بإذن الله القوةَ والحياةَ, فكذلكَ سليقةُ العقلِ مكنونةٌ في مغرِزها من القلب: لا قوة لها ولا حياة بها ولا منفعة عندها حتى يَعتَمِلَها الأدبُ الذي هو ثمارُها وحياتُها ولقاحُها .
وجُل الأدب بالمنطقِ وجُل المنطقِ بالتعلم. ليس منهُ حرفٌ من حروف معجمه, ولا اسم من أنواع أسمائه إلا وهو مروي, متعلم, مأخوذ عن إمام سابق, من كلام أو كتاب.
وذلك دليلٌ على أن الناس لم يبتدعوا أصولها ولم يأتهم عِلمُها إلا من قبل العليم الحكيم.
فإذا خرج الناسُ من أن يكونَ لهم عملٌ أصيلٌ وأن يقولوا قولاً بديعاً فليعلمِ الواصفونَ المخبِئون أن أحدَهُم, إن أحسنَ وأبلغَ, ليس زائداً على أن يكون كصاحبِ فُصُوصٍ وجد ياقوتاً وزبرْحداً ومرجاناً, فنضمهُ قلائدَ وسُمُوطاً وأكاليلَ, ووضعَ كُل فص موضعهُ, وجمع إلى كل لونٍ سبههُ وما يزيدُه بذلكَ حسناً, فسمي بذلك صَنعاً رفيقاً, وكصاغة الذهبِ والفضة, صنعوا منها ما يعجب الناس من الحلي والآنية, وكالنحل وجدت ثمراتٍ أخرجها الله طيبةً, وسلكت سبلاً جعلها الله ذُلُلاً, فصار ذلكَ شِفاءً وطعاماً, وشراباً منسوباً إليها, مذكوراً بهِ أمرُها وصنعتُها.
فمن جرى على لسانه كلامٌ يستحسنهُ أو يستحسن منهُ, فلا يعجبن إعجاب المخترعِ المبتدعِ, فإنهُ إنما اجتناهُ كما وصفنا.
أحبائي: كانت هذه رائعة من روائع ابن المقفع ..في كتابه الأدب الصغير.. أعجبتني ..فنشرتها لتعم الفائدة..
تحياتي .. ضياء