أصبح العالم في العصر الحديث أشبه بقرية صغيرة يعرف الناس فيها ما يحدث في أي طرف منها في وقت قصير مقارنة بالعصور السابقة حيث كانت المعلومات تنتقل ببطء شديد.
هذا التقارب بين أطراف هذا الكون الفسيح جعل التأثر المتبادل بين الشعوب أسرع وأسهل ما يكون. ولكن طبيعة الإنسان الذي يتكون من أفراده المجتمع تقضي بأن يتأثر الضعيف بالقوي والمغلوب بالغالب وهكذا. من هنا نجد أن دول العالم النامي وشعوبه يسيرون في ركب العالم المتقدم ويتأثرون بثقافته وأفكاره وسلوكه.
ولو اقتصرنا على النواحي النفسية في هذا الصدد فإن خروج المرأة إلى ساحة العمل ومشاركتها للرجل لم يكن ليعفيها من الرصيد السابق من المسؤوليات فأصبحت تضطلع بما ورثته من مسؤوليات المنزل والأطفال إضافة إلى عملها خارج المنزل. قد يقول قائل بأن الرجل أصبح يشارك المرأة في عمل المنزل وهذا قول غير صحيح حتى في الدول الغربية المتقدمة فالمنزل وما يحتاجه من طبخ وكنس وغسيل من شأن المرأة وكذلك الحمل والولادة والرضاعة وتربية ا لطفل والسهر بجانبه إذا مرض كل ذلك من شأن المرأة التي أصبحت مسخرة للرجل بمحض إرادتها شكلاً ومدفوعة إلى ذلك بنمط الحياة العصرية.
هذا المسؤوليات تؤدي حتماً إلى ضغوط نفسية هائلة للمرأة العصرية (في هذا العصر) تنتظر عطلة نهاية الأسبوع لا لتستمع بهذين اليومين ولكن لتريح جسدها المتعب وفكرها المنهك وتحصل على قسط من النوم والاسترخاء يساعدها على مواجهة الأسبوع القادم. وللضغوط النفسية تأثيرها على الهرمونات بدون شك فمثلاً هرمونات Steroids التي ترتبط بشكل وثيق بهرمونات الذكورة والأنوثة يزيد إفرازها في حالات الإجهاد النفسي. وكذلك هرمونات الغدة الدرقية تضرب إفرازاتها تحت ظروف الضغط النفسي وبعض الأمراض النفسية.
كذلك فإن هذا الاختلال الهرموني والضغوط النفسية تؤدي إلى اضطراب الجهاز المناعي سلباً مما يؤدي إلى الإصابة بالالتهابات الفيروسية والبكتيرية أو حتى إلى الإصابة بالأمراض الخبيثة على المدى الطويل. وهناك العديد من الأمراض التي يقوم فيها الجهاز المناعي للجسم بمحاربة نفسه وإتلاف بعض خلايا الجسم ومن أمثل ذلك بعض الأمراض الروماتزمية والذئبة الحمراء وفشل الغدة الدرقية (هاشيموتوز) وبعض أمراض الدم التي تؤدي إلى النزيف.
ومن أمثلة الأمراض النفسية الشائعة في العصر الحديث في العالم المتحضر والتي بدأت بشائرها تصدّر إلينا مجموعة من الاضطرابات المتعلقة بالطعام مثل داء النحافة والبوليميا. داء النحافة يقوم فيه المريض وهو غالباً ما يكون امرأة بالامتناع عن الأكل وعمل التمارين الرياضية واستعمال العقاقير التي تنقص الوزن وتسبب الإسهال وما ذلك إلا محاولة جادة لإنقاص الوزن لتبدو نحيفة ممشوقة القوام تماماً مثل عارضات الأزياء. ولكن للأسف فإن هذا الوسواس بالنحافة يصل إلى درجة فقد السيطرة فلا ترى المريضة مدى نحافتها بل هزالها وتمضي في محاولات أكثر جدية في التخلص من أي ذرة دهن في جسمها حتى تقع طريحة الفراش وهي مع ذلك ترى الجلد والعظم شحماً وتمتنع عن الطعام للتخلص منه. وما هذا إلا لتأثر هذه المرأة بما تراه من دعايات للنحافة والأزياء الضيقة واختلاطها بالرجل في مجال العمل وتكشفها لكي تعمل ومن ثم محاولة إبداء الجسم الجميل والشعر الجميل وهكذا.
أما داء البوليميا فيكون المرأة فيه تميل إلى السمنة نوعاً ما وقد تكون أحياناً كثيرة معقولة الوزن والشكل ولكنها تحاول في إنقاص وزنها بشتى الطرق ولكن دون استمرار فلا تلبث تحت وطأة الجوع أن تلتهم كمية كبيرة من الطعام ثم تعود إلى رشدها لتندم على هذا النهم وتقوم بمحاولة الاستفراغ وهكذا. هذه المحاولات المتكررة تؤدي إلى أمراض عضوية كثيرة لا مجال لشرحها ولكن الشاهد هو المقصد في هذا الفعل.
وهذه المقاصد لم تكن موجودة في المرأة المسلمة قبل العصر الحديث حيث كانت محببة لا يرى منها جسدها إلا الزوج أو المحرم ولا ترى داعياً إلى محاولات جذب الانتباه أو الخجل في شكلها أو جسمها.
( المصدر : عيادات ميدي كير التخصصية ــ نفساني )