عُمْــــق ( 2 )
شيشـــــــان
( أنا شيشاني قلباً وقالباً ، ولحماً ودماً )
( شيشاني الروح والحلم والأمنية والمشاعر والهدف والانتماء والهوية )
( الشيشان وطني ... وأهلها أهلي ... حتى وإنْ فارقتُها بجسدي )
( شيشاني ... وأفتخِر ... لأنني مُسلِم صاحِبْ عِزّة ... وأفتخِر )
الشيشان .. مثلها مثل كثير من البلاد الصغيرة المسلمة التي لا تنطق بالعربية ، قد لا يسمع بها كثير من الناس .. أو يسمعون بها ، لكنهم لا يعيرون لقضيتها نفس الأهمية التي يعيرونها لقضية فلسطين أو العراق أو سائر البلاد العربية المسلمة التي تعاني من الاضطهاد .. هذا بالرغم من عمق الجذور الإسلامية الضاربة في أرض الشيشان ، وبالرغم من أنّ الشيشان قد تكون هي النموذج الإسلامي الوحيد الآن الذي لا يشوب جهاده أي تفرُّق أو اختلاف أو انحراف عن المنهج الإسلامي السنّي الأصيل ..
فمن هم الشيشانيون ؟!
ولماذا الحديث عن الشيشان بالذات ؟!
من الصعب أن تتحدث عن مشاعر أناس ، لم تصل إليهم بعد .. أو أن تعتبر نفسك واحداً منهم ، وأنتَ لم تخالطهم عن قرب .. ولكن عندما تتشابك مبادئك مع مبادئهم ، وتتشابه أفكارك مع أفكارهم ، وتصحو وتنام على حلم الوصول إليهم ومناصرتهم وتأييدهم ومشاركتهم حياتهم بل ومشاركتهم موتهم في سبيل تحقيق نفس أمنياتهم ، فالطبيعي أنهم بالفعل حينئذ منك ، وأنتَ منهم.
إذا أردتَّ أنْ تعرفهم فانظر إلى الجبال العالية في شموخها ، أو إلى الشمس المشرقة في سطوعها ، أو إلى البحار العظيمة في كبريائها .. في أحضان الغابات يقبعون ، وعلى فراش الأرض ينامون ، وبالقرب من الموت يسكنون .. جمعوا بين قوة الأسود وعزة الصقور وطُهر الملائكة .. طابتْ نفوسهم وابيضّتْ قلوبهم وأشرقتْ أرواحهم ، حتى صاروا كالنجوم اللامعة في الليالي الحالكة ..
قد يكونون في نظر العالَم أضعف ما يكون ، وأبسط ما يكون ، لكنهم في الحقيقة يمتلكون أعظم شيء في هذا الكون .. الإيمـان ..
((في ليلة مولد الذئب خرجوا إلى الدنيا .. وعند زئير الأسد فى الصباح سمو بأسمائهم .. وفي أعشاش النور أرضعتهم أمهاتهم .. ومنذ طفولتهم علمتهم آباؤهم فنون الفروسية .. والتنقل بخفة الطير فى جبال بلادهم الوعرة .. لهذه الامة الاسلامية ولهذا الوطن ولدتهم أمهاتهم .. ووقفوا دائماً شجعاناً يلبّون نداء الأمة والوطن .. جبالهم المكسوة بحجر الصوان .. عندما يدوّى فى أرجائها رصاص الحرب .. يقفون بكرامة وشرف على مر السنين .. يتحدّون الأعداء مهما كانت الصعاب .. وبلادهم عندما تنفجر بالبارود .. من المحال أن يُدفَنوا فيها بلا كرامة وشرف .. لن يستكينوا أو يركعوا لأحدٍ إلا الله .. فإنها إحدى الحسنيين يفوزون بها .. الشهادة أو النصر .. جراحهم تضمدها أمهاتهم وأخواتهم بذكر الله .. ونظرات الفخر في عيونهن تثير فيهم مشاعر القوة والتحدي .. وإذا حاولوا تجويعهم سيأكلوا جذوع الشجر .. وإذا مُنع عنهم الماء سيشربوا ندى النبات .. ففى ليلة مولد الذئب خرجوا إلى الدنيا .. وهم دائماً سيبقون مطيعين .. لله .. ومدافعين عن الوطن .. وعن هذه الأمة))
هكذا قالوا عن أنفسهم ..
وحُقَّ لهم أن يقولوا أكثر من هذا ..
الشيشان .. حيث أرض الأبطال ، وساحات القتال ، ومصانع الرجال .. فيها يرضع الطفل من أمه حب الجهاد ، ثم يشبّ الشاب ويحيا على حلم الاستشهاد .. هناك ، حيث لا راية مرفوعة إلا راية (لا إله إلا الله) ، ولا قلوب تنبض إلا بحب الله ، ولا أرواح تُبذَل إلا في سبيل الله .. لا مكان للذل ، لا مجال للخنوع ، لا وجود للاستسلام .. إنهم رفاق الكرامة ، لا يعترفون بكلمة "الهزيمة" ، بل هو الجهاد والانتصار أو الاستشهاد .. وما النصر إلا من عند الله ..
هناك .. القوميات تختلف ، والألسنة تتباين .. الشيشانيون بجانب العرب وأهل أنجوشيا وداغستان .. اختلفوا في أعراقهم وجنسياتهم ، لكنهم اجتمعوا كلهم على قلب رجل واحد ينبض ناطقاً خير كلمة طلعتْ عليها الشمس : ((لا إله إلا الله ، محمد رسول الله))
الشيشان .. بطولات مدوية ، وكرامات إنسانية ، وقتال مستميت - لا يضعف ولا يفتر - من أجل الحرية ..
الجيوش الروسية الصليبية تقاتلهم بالملايين منذ عشرات السنين ، وهم أبداً لا يضعفون .. لا ينهزمون .. بل لا يموتــون .. نعم لا يموتون !
((ولا تحسبنّ الذين قُتِلُوا في سبيل الله أمواتاً ، بل أحياءً عند ربهم يُرزَقُون))
ألا تروْن إلى الابتسامة المشرقة لشهدائهم بعد أن تفيض أرواحهم ؟! أم إلى الدماء التي ما زالتْ تنـزف منهم بعد مرور الشهور على قتلهم ؟! أم إلى الحور العين التي رأوها أحياءاً تزينت في السماء من أجل استقبالهم ؟!!
أم إلى الملائكة التي تقاتل معهم وتشدّ من أزرهم ؟!!!
الملائكة تقاتل مع المجاهدين الشيشان :
يروي صاحب القصة التي حدثت في أرض الشيشان وتحديداً في جروزني قبل مدة فيقول :
((خرجنا في كتيبة مع قائد العملية .. وفي أثناء عودتنا من جروزني إلى الجبال إذا بالطائرات الروسية تقوم بإنزال المئات من الجيش الروسي .. فتوزعنا في المكان ونحن عراة الأقدام ، وفي ليل حالك الظلام والأرض من تحتنا ثلج نزل الجيش الروسي فوق الجبال ونحن في الأسفل وأشكالنا مرئية وواضحة لهم ، لأننا في الأسفل وهم في الأعلى ولا يوجد مخبأ ساتر وبعد أن أثاروا الجلبة والإزعاج بدأوا بإطلاق النار وأقسم بالله العظيم إنا لنراهم يطلقون النار إلى الأعلى ونحن في الأسفل ، ونرى شرر نيرانهم واستمر الإطلاق مدة نصف ساعة تقريباً ونحن ندعو الله أن يخذلهم ويعمي أعينهم عنا ..
ثم ساد السكون بغتة والهدوء فانتظرنا نصف ساعة أخرى ثم قال القائد خطاب : نريد مجموعة ترحل إلى أعلى الجبل ليعلمونا ما الخبر ولماذا وقف إطلاق النار ، فرفع الجميع أيديهم فاختار خطاب منهم سبعة فذهبوا هناك .. وبعد ساعة سمعنا تكبيرهم فوق الجبل .. فخرجنا إليهم ونحن مندهشين و يلتهمنا الفضول ونسألهم ما الخبر فيكبرون وعادة لا يكبر المجاهدون إلا عند الفتح أو حدوث أمر جليل .
صعدنا الجبل وهناك كانت المفاجأة : مئات من الروس قد قطعوا كأنما قطعوا بسيوف حادة أو بمناشير كهربائية حتى أننا قلنا لا يستطيع إنسان أن يقطع بمثل هذه القوة حيث كان القطع حاداً جداً .. والأغرب من ذلك أن الكلاشينكوف في أيد الروس لم يتأثر أو حتى يخدش والمشارط في جيوبهم سليمة تماماً وكذلك باقي الأسلحة وأعداد الجنود الروس المقطعين كانت بالمئات .. فعلمنا أن الله نصرنا بجند من عنده وشد أزرنا بمكرمة عظيمة ولله الحمد والمنة وله الحكمة البالغة في ذلك.))
هؤلاء هم كتائب الحق ، وجنود الله في الأرض .. المجاهدون الشيشـان ..
أتمنى من الله أنْ يمكّن لهم في الأرض ..
ويلحقني بقافلة شهدائهم ..
وأن يرزقهم نصراً عزيزاً مؤزراً على أعدائهم من الروس الكافرين ..
محمد بن الشيشان